الخميس، 27 أكتوبر 2016

((ألأعلانات السبعة في سنبلة عنبر ))دراسة نقدية في نص الشاعرة العراقية منى الصراف بقلم الناقد: رائد مهدي / ألعراق

((ألأعلانات السبعة في سنبلة عنبر ))
عنوان لدراسة نقدية كانت لي في نص الشاعرة الأديبة العراقية منى الصراف والذي حمل عنوان -سنبلة عنبر- أمنياتي لها بدوام العطاء وذروة التألق في فضاء التميز.
ألمقدمة :
لو تأملنا قليلا بمصطلح الأعلان سنجد الإعلان عبارة عن لفت نظر وتسليط إنتباه على شيء أو شخص أو حال يراه المعلن بات من الضروري التنويه عنه ، ويتشعب من ذلك مغزى الاعلان بين معلن بدافع كسب الأهمية وآخر لشدة شعوره بالأهمية وثقة تفوق الحدود .فبين إعلان لمهزوم محتاج وإعلان لمنتصر متباه يتوسطها إعلان جامع لكل محتويات الأهمية ومعانيها ،على شاكلة السنابل المعطاء فهي تعلن عن نفسها لجهة عليا هي جهة عطاءها للأنسان وكائنات الطبيعة وتعلن عن نفسها في عمق أرضيتها التي تنبت عليها فتعلن عبر جذورها الموغلة في بيئتها وحياتها .فماأجمل السنابل وهي تراقص الريح معلنة عن كيانها المغروس للعطاء متحدثة للجميع عن هوية مؤطرة باللون الاحمر ومعطرة من ندى العنبر نفضت عنها غبار الضعف تمردت على قيود التراب وانتفضت فمنحت لنفسها ماتشاء من الظهور وأعلنت عن هويتها في نشوة الأنتصار أنا أنثى لتصفع بذلك أذهانا لاترى المرأة سوى عورة وفتنة لاينبغي ان يسمع صوتها من خلف الباب فقرعت أبواب تلك الصدور في عنبرها وصفعت أذهانهم بهوية حمراء بلون دمها لكون الاحمر لون لافت للأنتباه ونقطة تستوقف انتباه المارين بها .
ألمدخل :
إرتأت كاتبة النص أن يكون اولى اعلاناتها ( أنا أنثى : لي دستوري ولغتي وفكري ولم أكن قارورة قابلة للكسر ) وفي تأمل بسيط لي في إعلانها الأول يبدو لي انها تبرز هويتها بقولها أنا ، وتميزها حين تضيف لها كلمة أنثى .هي تعلن عن تميزها ألأنثوي هي أرادت أن تعرب عن منحها لنفسها التخويل بالحديث عن الأنثى لكونها أنثى وكانت معالم التمرد جلية وكأنها تقول أنا الأنثى التي تفهم الأنثى لا أنتم يامعشر من تضعون للأنثى من أعراف وتقاليد وتتحكمون بجسدها وتحاصرون ذهنها بخرافاتكم وأوهامكم وهلوسات مجانينكم الذين سخفوا دوري وجعلوا منه قارورة تنكسر من مرمى حجر ويهشم سمعتها لسان ذكر فتقول دستوري معلنة ضرورة ان يكون دستور الأنثى مشرع عبر ذهن الأنثى لا عبر رؤية ذهنية لرجل من الرجال وتضيف ..ولغتي وفكري ..فهي تريد ان تتحدث باللغة التي هي تراها مناسبة للتعبير لا كما أملى عليها أصحاب الأعراف والتقاليد .وترفض مظهر الضعف في شخص الأنثى عبر النموذج الذي أراده الرجال اليها .تبدو لي كأنها تقول لهم انا قوية ولست قابلة للكسر ، رفضا منها لأدوار الضعف جملة وتفصيلا .
ونتجه نحو ثاني أعلانات تلك السنبلة قائلة : ( لايهمني كيف يراني الآخرون ، فأنا دائما ماأحببت نفسي ) في هذا الموضع تعلن استقلال وجهات نظرها وقناعاتها فهي لاتريد لأحد أن يفكر لها أو يخطط لأنوثتها لأنها ترى في نفسها القوة والقدرة مايؤهلها للأستقلال بالرأي ووجهات نظرها فليست مهتمة لرؤية الآخرين أو بالأحرى هي ترى من انوثتها التي في داخلها مالايراه معشر الرجال من خارجها ولا تعترف بوجهة نظرهم فيها كأنثى على تصورهم وتعلن أن حبها الدائم لنفسها هو الذي جعل منها واثقة من وجهات نظرها في انوثتها أكثر مما تثق بوجهات نظر من حولها الذين هم من خارج ذاتها الأقرب الى نفسها وأقول انا ،هل يحب المرء نفسا أكثر من نفسه أو يحرص على ذاته ذات أشد من ذاته !! . ولانلبث إلا قليلا لنجد أنفسنا في باحة أعلانها الثالث ( أصغر من نفسي ومن عقلي ..رأفة مني لأنك دون مستوى فهمي ) وتتميما لما اعربته من ثقة بنفسها في ألأعلان ألسابق فهي تعلن لنا شيئا يسيرا عن خبايا تلك المملكة الأنثوية العجيبة فهي تملك من القدرات مايجعلها تتحكم بمديات أمتداد عقلها والجولان في مساحات استنتاجاته هي تعرب عن قدرتها على التنازل عن حقها النفسي فتنكمش على ماتشعر به رأفة منها بمن لايقدر أحساسها ويجهل طبيعتها .وتصغر من التقصي العقلي في محاولات العثور على أسباب ومسببات القصور والتقصير لدى من قصر بحقها وكفر بحقوقها وتعزي ذلك رأفة منها بمن هو من الوضاعة ماجعله دون مستوى فهم طبيعة تفكيرها ومحتواها العقلي وبالتالي دون مستوى فهمها ككل. ثم يحل بنا أعلانها الرابع قائلة (خلقت من نار ونور وسنبلة عنبر يفوح منها عطري ) هي تعلن عن ثلاثية وجودها المؤلفة من نار العاطفة ونور الفكر (ألعقل) وسنبلة الجسد المعطاء ، ذلك الذي يفوح بعطرها الذي أفترضه أن يكون عطر المحبة الذي يعشقه الجميع وتتوق لأحتضان عبيره مستودعات الأنفاس وغياهب الأحساس في أعماق كل أنسان سوي الذوق والأحساس .
((ثم تطلق إعلانها الخامس قائلة ( أعطي دون حب وأريد حبا بعطاء وعشقي وجع قلب لايرضى إلا ان يكون بطعم دمك ودمي ) هي تنوه عن عطاءها بكل الأحوال فلاتجد سنبلة لاتعطي لكن عطاء السنابل كأي عطاء لايأتي من فراغ انما هو انعكاس لمياه حب نقية شربت منها تلك السنابل واينعت خبزا شهيا يهب الحياة ويذهب بالجوع ويستحوذ على الجوف .هي تعلن ان كريات عشق تجري في انهار عروقها وتعلن استحالة البوح به لأن البوح به كاملا يتطلب خروج آخر قطرة من دمها الأحمر الذي هو بلون عشقها الأحمر اللافت للأنتباه والمثير لكل الحواس بالجنون فهو احمر كأي نقطة تستوقف من يمر بها وتأسر انتباهه ، هي كألسنابل عاشقة من الجذور الى القبور فطعم عشقها هو بطعم تربتها التي نبتت عليها بالدم ، والعشق بها يجري مجرى الدم ، بلون الدم وطعم الدم فكان الدم في أعلانها به يكمن عشقها ولم تشأ اظهاره لأن ضريبة العشق هي الدم لاسيما حب الأوطان والعشق لحرية الأنسان من عبودية الأنسان والتي تفترض وجودها في دم الطرف الآخر الذي يجري فيه ذات دمها العاشق لتلك العناوين المؤطرة بحمرة الدم. ثم تطلق سادس أعلاناتها قائلة (أنا التي يحلم بها الرجال وهما ولم تزدهم سوى قهرا على هم ) فهي تعلن أنها الحلم الذي أرغم الرجال على المنام ليبلغوها خلف حصون الوهم ولايلبثون ان يستيقظوا ليجدوا أنفسهم مغرقين في مستنقع الهم من الهم .ومن وجهة نظري يبدو لي حين أحسست حالة الأحتراق بالهم في ذلك الإعلان كان يفصح تأمل الرجال لتلك اللوحة البشرية والأحتراق من لظى سحرها الذي ماأن تقترب اليه قتلك وإن ابتعدت عنه ألهبك اشتياقا اليه ، فهي مركز القهر لمن يتوق اليها ولايبلغها وهي الهم لمن بلغها وفشل في فهمها . وترفع من سقف الأثارة عبر إعلانها السابع المثير ( أنا الأنثى التي : ستعشقك وتدللك وتجتاحك وتفسدك ولن تكون صالحا لأمرأة أخرى بعدي ) والذي يحمل لنا رسالة متنوعة المشاعر ومتوازنة في فكرتها بدء بالتشويق بقولها (ستعشقك) وبالمداراة الفائقة بقولها (وتدللك) لأن المداراة الفائقة جديرة أن تكون مسبوقة بالتشويق الذي يوازيها ويساير أثرها ثم التهديد بقولها ( وتجتاحك) ويبدو لي أنها تتحدث عن اجتياح مبرر لها فكل إجتياح مرفوض مالم يكن تحت راية الحب فتهديدها كان عبر الحب وبأسلحة الحب وضمن معايير الحب.ثم نجد الوعيد بقولها ( وتفسدك) والذي أفترضه في معنى وعيدها انها سوف تفسد كل قناعة ضدها في داخله وسوف تفسد كل بضاعة ذهنية تكدست في ذهن ذلك الرجل وكونت موانع في ذهنه فلا يراها كما تريد ، بل كما هو يريد ، ومعلوم مايجده الأنسان فاسدا فسوف يلقيه خارجا وبذا يكون لها من خلال إفساد مايحجب حبه لها من الظهور لذا كانت بدافع الحب أعلنت ترغيبها وتطمينها وتهديدها ووعيدها وكانت أبعاد تلك الصورة المتنوعة الأطراف مسورة بالحب ، والحب يبرر كل غاية في معاييره . وتتم إعلانها (ولن تكن صالحا لأمرأة بعدي) معلنة له لن ترى نقصا ولا جوعا ولا ضمأ سأكون جنتك وحورك وقصورك واستقرارك وبعد كل هذا إن رغبت امرأة أخرى ستجدني ضميرا لك يمنعك من أن تكون صالحا لحب آخر بعد حبي فهو الأستحواذ التام على قلبه وإن مال إلى غيرها بعقله فسوف يخذله قلبه الذي تملكته بسلطان الحب وسيمكث عند غيرها دون قلب وبذا لن يكون صالحا لأمرأة من بعدها .
الخاتمة :
وجدت في هذا النص ثورة سلمية وانتفاضة أنثوية مبررة بمعايير الحب الأنساني وحق الأنثى بالحياة ان تكون أنسانا مستقلا يعيش في كرامة بملئ حريته وبحسب أرادته ،حملت تلك الثورة إعلانات جريئة كان في مطلعها أنا أنثى . وقد حسن في عيني أن أرى شجاعة أنثى تبرز هويتها على أعين الرجال بالفخر لكن حذار من استفزاز قد يطال أولئك المستعبدين للثقافة الذكورية المشوهة والتي تبيح لنفسها السيادة على الحياة فلا ترى في الأنثى شريكا حقيقيا في هذه الحياة بل تراه تابع يتبع ويلحق بمن هو الأساس وهو له التبع .
أيضا جانب الأبداع بالنص تجلى لي من خلال تركيزه على قضية أنثوية بحتة تم طرحها بشكل جميل ومحبب للقارئ وفي ذات الوقت وجدت النص منغلق أمام أي رجل للمشاركة في هذه الثورة السلمية ولم يسند اليه دور يعمل من خلاله لنصرتها كي تتوازن الغاية وأثرها فلا يشعر أحد اطراف المعادلة الأنسانية بالخسارة ، ووجدت النص قد فرض نفسه بكل قوة وأنتصر أعظم انتصار في تقديم أنثى لنفسها وقد يرى فيه البعض شيئا من الغرور .لكني أراه غرورا مبررا لأن حقيقة الغرور قد تكون هي انعكاس لثقة شديدة بالنفس تدفع صاحبها لما هو أفضل دائما ولا ترتضي له فقد او خسرانا. أيضا الجو النفسي للنص كان متنوعا بباقة من معان ومشاعر أنثوية كألزهور بألوان طيف لأنثى لم ترتض لنفسها إلا ان تكون كسنبلة عنبر ، العطاء هويتها ، ويفوح منها على الدوام عنبر للمحبة والسلام. أمنياتي لكاتبة النص المبدعة منى الصراف اطيب الامنيات وهذا هو النص الذي قمت بدراسته وتناولته بالنقد :
- سنبلة عنبر -
أنا انثى لي دستوري ولغتي وفكري
ولن أكون قارورة قابلة للكسر
لايهمني كيف يراني الآخرون
فأنا دائما ماأحببت نفسي
أصغر من نفسي ومن عقلي
رأفة مني لأنك دون مستوى فهمي
خلقت من نار ونور
وسنبلة عنبر
يفوح منها عطري
أعطي دون حب
وأريد حبا بعطاء
وعشقي وجع قلب
لايرضى إلا أن يكون بطعم
دمك و دمي
أنا التي يحلم بها الرجال وهما
ولم تزدهم سوى قهرا على هم
أنا الأنثى التي :
ستعشقك وتدللك وتجتاحك وتفسدك
ولن تكن صالحا لأمرأة أخرى بعدي .
نقد : رائد مهدي / ألعراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نورا تجلى بقلم شاعر الناي الحزين محمود درويش

 نوراَ تجلي. .......... لما لاح في الأفق اسم محمد تهللت السماء بالضياء والطير غردا كانت الدنيا بالجاهلية في ظلام فأقبل خير الأنام بالضياء مت...