♠ ♠ ♠ ♠ قصة قصيرة ♠ ♠ ♠ ♠
♠ ♠ ♠ ليه يا بنفسنج بتبهج وأنتَ زهر حزين ♠ ♠ ♠
♠ ♠ القاهرة من سنوات ليست بالبعيدة ، كانت تختلف بلا شك عن القاهرة اليوم ، وقد تعددت أسباب هذا التغير ، فمن قائل أن زيادة عدد السكان ، أدى إليَ أن تسود أخلاق الزحام بين الناس ، وآخر يقول أن مطلبات الحياة ، جعلت الكل يلهث حتى يتمكن من تحقيق رغباته ، وتأثرت من هذا التغير حتى العلاقات العائلية إلا من رحم الله ، وأنشغل كل إنسان بنفسه ، وأغلق حياته على دائرته الصغيرة ، ممن حوله ، وساد نوع من السلوكيات ، لم يكن سائد بين الناس من سنوات قريبة ، مثل التحرش الفج بالإناث ، الي جانب جرائم الإغتصاب التي لم تكن بهذا الشكل ، وفي الأحياء الشعبية كانت هناك قيم تميزها ، تكاد الأن أن تختفي ، وكان كلمة بنت الحته ضماناً لكل فتاة من جرحها لفظياً من أحد ومع كل هذا التغير فإن بطل قصتنا كان يعتقد ومازال أن الخير موجود ، وبطل قصتنا كان يعيش في منطقة يمكن القول عنها أنها منطقة راقية ، وكان تحت البيت الذي يسكن فيه ، محل ترزي رجالي ، وهذه المهنة كانت في طريقها للإنقراض ، فالناس الأن تشتري الملابس الجاهزة ، ولا مجال للتفصيل ، إلا أن هذا الرجل الترزي ظل متمسكاً بالمهنة التي ورثها عن والده ، وكان ينهي عملة مع آخر ضوء للنهار ، حفاظاً على الباقي من بصره ، وللحقيقة كان محبوباً جداً من الجميع ، وكان الكثيرين من أهل الحي ، يترددون عليه لتفصيل بدلهم وبنطلوناتهم ، وفي السابعة مساءً يجتمع حوله أربعة أصدقاء ، لواء على المعاش يسكن في نفس العمارة , ورجل على المعاش يسكن في عمارة مجاورة ، وصاحب محل كباب بالقرب منه ، وبطل قصتنا ، وهو الأصغر سناً ، وكان لا يحب أن يجالس أقرانه ، بل يسعى لعمل صداقات مع الأكبر سناً ، لإنه ولد كبيراً كما كان يقول ، وأصبح مسئولاً عن أخواته منذ وفاة أمه وأبوه ، وهو مازال في أول خطوات الشباب ، وقامت صداقة وود بينه وبين صاحب محل الترزي ، حتى أنه كان يضع له كرسي أمام محله ، ليحجز له مكان عندما يأتي ليضع فيه سيارته ، وهذا الترزي كان يجديد العزف على العود ، ويلتف حوله هؤلاء الأربعة كل ليلة ، وقد قام الترزي بتعليم بطل قصتنا العزف على العود ، حيث أنه كان ينظر إلية كإبناً له ،واللواء الذي هو على المعاش شخصية جادة ومنضبطة جداً فقد زوجته ، فوجد في هذه الصحبة ما يعوض ساعات فراغه ، أم الرجل الذي هو على المعاش ، فكان صاحب صوتاً أكثر من جميل ، يعزف الترزي على العود ويغني هو من الأغاني القديمة والجميلة ( عنابي ) ، ( يا ريحين الغورية هاتو لحبيبي هدية ) ، وأكثر ما كان يشجي الحضور ، وهو يغني أغنية صالح عبد الحي الجميلة ( ليه يا بنفسج بتبهج وإنتَ زهر حزين ) ، وصاحب محل الكباب رجل إبن بلد يُشعرك بالألفة والبساطة ، وكان يأتي بالعشاء لهم بعذ السهرة في حوالي التاسعة والنصف ، وقد إتفقوا أن يدفوا له ثمن ما يأتي به ، وكان بطل قصتنا يصر أن يدفع مثلهم ، فهو ميسور الحال ، ومرت الأيام وبطل قصتنا يسعد بما يسمعه من تجارب الأكبر سناً ، ويتذوق الطرب الأصيل ، وفي يوم وبطل قصتنا يأخذ سيارته من أمام محل الترزي وجد المحل مغلق ، على غير العادة في هذا الوقت ، ووجد ورقة ملصقة علي الباب المغلق ، مكتوب فيها توفى الي رحمة الله الحاج ( الترزي ) وستقام صلاة الجنازة في المسجد عقب صلاة الظهر، لم يذهب بطل قصتنا الي عمله وذهب للصلاة عليه ، وظل مع أهله حتى تم دفنه ووقف الأهل ومعهم اللواء الجار والموظف بالمعاش ، وصاحب محل الكباب ، وبطل قصتنا ، يأخذون العزاء ، وفي الليل إجتمعوا أيضا في سرادق العزاء ، وكانت هذه هي آخرة مرة يجتمعون معاً ، فقد ذهب الي رحمة الله من كان يجمعهم عنده ، ووضع بطل قصتنا العود ولم يستخدمه لسنوات ، وفي يوم من الأيام شاهد قناة تابعة لقنوات النيل تسمى ماسبيرو زمان ، تعرض القديم من الأعمال ، ووجد صالح عبد الحي وهو يلبس الطربوش وجالس على الفوتيه وهو يغني ( ليه يا بنفسج بتبهج وإنت زهر حزين ) ، إبتسم ونزلت من عينيه دمعه ، على زمن كان الجمال أهم سيماته.
♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق