السبت، 5 نوفمبر 2016

قصة قصيرة ليه يا بنفسنج بقلم البروفسير الدكتور ♠ ا.د/ محمد موسى

    قصة قصيرة    
   ليه يا بنفسنج بتبهج وأنتَ زهر حزين   
  القاهرة من سنوات ليست بالبعيدة ، كانت تختلف بلا شك عن القاهرة اليوم ، وقد تعددت أسباب هذا التغير ، فمن قائل أن زيادة عدد السكان ، أدى إليَ أن تسود أخلاق الزحام بين الناس ، وآخر يقول أن مطلبات الحياة ، جعلت الكل يلهث حتى يتمكن من تحقيق رغباته ، وتأثرت من هذا التغير حتى العلاقات العائلية إلا من رحم الله ، وأنشغل كل إنسان بنفسه ، وأغلق حياته على دائرته الصغيرة ، ممن حوله ، وساد نوع من السلوكيات ، لم يكن سائد بين الناس من سنوات قريبة ، مثل التحرش الفج بالإناث ، الي جانب جرائم الإغتصاب التي لم تكن بهذا الشكل ، وفي الأحياء الشعبية كانت هناك قيم تميزها ، تكاد الأن أن تختفي ، وكان كلمة بنت الحته ضماناً لكل فتاة من جرحها لفظياً من أحد ومع كل هذا التغير فإن بطل قصتنا كان يعتقد ومازال أن الخير موجود ، وبطل قصتنا كان يعيش في منطقة يمكن القول عنها أنها منطقة راقية ، وكان تحت البيت الذي يسكن فيه ، محل ترزي رجالي ، وهذه المهنة كانت في طريقها للإنقراض ، فالناس الأن تشتري الملابس الجاهزة ، ولا مجال للتفصيل ، إلا أن هذا الرجل الترزي ظل متمسكاً بالمهنة التي ورثها عن والده ، وكان ينهي عملة مع آخر ضوء للنهار ، حفاظاً على الباقي من بصره ، وللحقيقة كان محبوباً جداً من الجميع ، وكان الكثيرين من أهل الحي ، يترددون عليه لتفصيل بدلهم وبنطلوناتهم ، وفي السابعة مساءً يجتمع حوله أربعة أصدقاء ، لواء على المعاش يسكن في نفس العمارة , ورجل على المعاش يسكن في عمارة مجاورة ، وصاحب محل كباب بالقرب منه ، وبطل قصتنا ، وهو الأصغر سناً ، وكان لا يحب أن يجالس أقرانه ، بل يسعى لعمل صداقات مع الأكبر سناً ، لإنه ولد كبيراً كما كان يقول ، وأصبح مسئولاً عن أخواته منذ وفاة أمه وأبوه ، وهو مازال في أول خطوات الشباب ، وقامت صداقة وود بينه وبين صاحب محل الترزي ، حتى أنه كان يضع له كرسي أمام محله ، ليحجز له مكان عندما يأتي ليضع فيه سيارته ، وهذا الترزي كان يجديد العزف على العود ، ويلتف حوله هؤلاء الأربعة كل ليلة ، وقد قام الترزي بتعليم بطل قصتنا العزف على العود ، حيث أنه كان ينظر إلية كإبناً له ،واللواء الذي هو على المعاش شخصية جادة ومنضبطة جداً فقد زوجته ، فوجد في هذه الصحبة ما يعوض ساعات فراغه ، أم الرجل الذي هو على المعاش ، فكان صاحب صوتاً أكثر من جميل ، يعزف الترزي على العود ويغني هو من الأغاني القديمة والجميلة ( عنابي ) ، ( يا ريحين الغورية هاتو لحبيبي هدية ) ، وأكثر ما كان يشجي الحضور ، وهو يغني أغنية صالح عبد الحي الجميلة ( ليه يا بنفسج بتبهج وإنتَ زهر حزين ) ، وصاحب محل الكباب رجل إبن بلد يُشعرك بالألفة والبساطة ، وكان يأتي بالعشاء لهم بعذ السهرة في حوالي التاسعة والنصف ، وقد إتفقوا أن يدفوا له ثمن ما يأتي به ، وكان بطل قصتنا يصر أن يدفع مثلهم ، فهو ميسور الحال ، ومرت الأيام وبطل قصتنا يسعد بما يسمعه من تجارب الأكبر سناً ، ويتذوق الطرب الأصيل ، وفي يوم وبطل قصتنا يأخذ سيارته من أمام محل الترزي وجد المحل مغلق ، على غير العادة في هذا الوقت ، ووجد ورقة ملصقة علي الباب المغلق ، مكتوب فيها توفى الي رحمة الله الحاج ( الترزي ) وستقام صلاة الجنازة في المسجد عقب صلاة الظهر، لم يذهب بطل قصتنا الي عمله وذهب للصلاة عليه ، وظل مع أهله حتى تم دفنه ووقف الأهل ومعهم اللواء الجار والموظف بالمعاش ، وصاحب محل الكباب ، وبطل قصتنا ، يأخذون العزاء ، وفي الليل إجتمعوا أيضا في سرادق العزاء ، وكانت هذه هي آخرة مرة يجتمعون معاً ، فقد ذهب الي رحمة الله من كان يجمعهم عنده ، ووضع بطل قصتنا العود ولم يستخدمه لسنوات ، وفي يوم من الأيام شاهد قناة تابعة لقنوات النيل تسمى ماسبيرو زمان ، تعرض القديم من الأعمال ، ووجد صالح عبد الحي وهو يلبس الطربوش وجالس على الفوتيه وهو يغني ( ليه يا بنفسج بتبهج وإنت زهر حزين ) ، إبتسم ونزلت من عينيه دمعه ، على زمن كان الجمال أهم سيماته.
   ا.د/ محمد موسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نورا تجلى بقلم شاعر الناي الحزين محمود درويش

 نوراَ تجلي. .......... لما لاح في الأفق اسم محمد تهللت السماء بالضياء والطير غردا كانت الدنيا بالجاهلية في ظلام فأقبل خير الأنام بالضياء مت...