الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

لمَ تسلَني يا صديقي بقلم الأديب وصفي المشهراوي

 
لمَ تسلَني يا صديقي وعيناك تنهملان دمعاَ على وجنتيك ؟ فليس في سؤالك ما يستدعي البكاء أبداَ . تسألني هل الأدب مهنة كغيره من المهن والصناعات ؟ قلت لك حينها : نعم يا صديقي إنها مهنة محببة الى أصحابها . فمن أصحاب المهن من يقلد غيره حسب ( كتالوج )خاص ضمن رسوماتٍ بعينها لا يتزحزح عنها قيد أنملة . ومثل هذا لا يمكن أن يأتي بإبداع تنظر اليه العين فتُسَرّ أو تسمع عنه الأذن فيلفت انتباهها . ومنهم من تراه لا يقلد أحداً بل يتفنن في مهنته حتى ترى ما يصنعه وكأنه جمال يعلوه جمال . فالنجار مثلاً لا يلفت انتباهه شيء كالحديد فبمجرد نظرة بسيطة من عينيه اليه يعرف صادره ووارده ومن أيّ صنف هو ومن أي البلاد مصدره . ولأي شيء ينفع . وكذلك النجار تراه يرى الخشب في ليله ونهاره وسره واجهاره . يعرف التفاصيل التي تتعلق به بكل علم ومعرفة وحسب الأصول . فكم من نجار أو حداد يشار اليه بالبنان ويمدحه المادحون لتألقه واخلاصه في عمله ويطلب الناس بضاعته ولو كانت تصنع في لبنان . حتى انك لترى الناس تأتيه من مكان بعيد . فمتجره دائم الحركة كثير البركة . وغيره ترى متجره وكأنه خاوٍ على عرشه ينعدم فيه ديناره عوضا عن قرشه . وقد خلا بطن صاحبه من كرشه . وكذلك الشاعر أو الأديب يرى الحروف فتشقشق روحه بها طربا وكأنها كرة جميلة في ملعبه يداعبها لعبا . يرى كل حرف على حِدَه يعرف مداخله ومخارجه ومتى يشرق نهاره ومتى ينطفئ ليله . متى يصلح للمدح ومتى يصلح للرثاء . يعرف القوة الكامنة في الحروف ومكامن الضعف فيها . فتراه حين يمسك بيراعه يعرف من أين تؤكل الكتف وما يكتنزه في نصّه وما هو الأنسب للوضع على الرف . ويعرف متى يراقص الحرف إما على البيانو أو على الدف . فترى النص يخرج من بين يديه كصبيّة حوراء وُلِدَت مع النسيم وقت السَّحَر فتشرق الكلمات كضوء القمر فيختال الجمال بين سطورها وكأنه لآلئ منثورة وصحف منشورة . ( وصفي المشهراوي )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نورا تجلى بقلم شاعر الناي الحزين محمود درويش

 نوراَ تجلي. .......... لما لاح في الأفق اسم محمد تهللت السماء بالضياء والطير غردا كانت الدنيا بالجاهلية في ظلام فأقبل خير الأنام بالضياء مت...